من خلال معرِضه المُقام في مدينة بيلِّـينزونا (كانتون تيتشينو، جنوب سويسرا) ومن خلال صُـوَر واقعية تُـنشَـر لأول مرة، أراد الصحفي السويسري جانلوكا غروسّي تقديم شهادته حول الحروب والصِّـراعات الدّائرة في الشرق الأوسط، بعدما أمضى هناك عشر سنوات في قلْـب ساحات الحرب وميادين القِـتال، يُـزاوِل مِـهنته كصحفي ومصوِّر.
لا يُـمكن لزائرِ المعرض، الذي تمّ افتتاحه مؤخرا تحت عنوان "الحرب – صُـور 10 سنوات"، إلا أن تتحرّك مشاعِـره ويُـعلن التمرّد على الصّـمت واللاّمبالاة، ذلك أن صُـوَر المعرض، هي بحدِّ ذاتها ناطِـقة ولا تحتاج إلى تعليق وشارحة لا تحتاج إلى توضيح، كما أن صاحب المعرض جانلوكا غروسّي، الذي قام بنفسه بتصوير أفلامه من داخل جَـبهات النار، لا يتحدّث عن معرِض عادِي، وإنما عن "مسيرة ومُـغامرة وتحَـدٍّ".
والحقيقة، أن المعرض مُـثير للاهتمام ويشكِّـل تحديّـاً أو حدثاً فريداً من نوعِـه، ذلك أنه يعرض جُـملة من الأفلام التي وثّـقها غروسّي خلال فترة عمله لعشر سنوات كصحفي على خطوط النار، بل على أسخَـن هذه الخُـطوط على وجْـه الأرض قاطبة. فمن العراق إلى لبنان إلى فلسطين إلى إسرائيل إلى أفغانستان إلى جورجيا، ثم إلى قطاع غزّة. وقد اختار غروسي لهذه الأفلام أن تُعرَض على شاشات مُـختلفة وأن تكون مُـكوّنة من مقاطِـع متداخلة، دونما إشارة إلى مواقِـع الأحداث ولا إلى تواريخها، ودون أن تتضمّـن أية تعليقات أو إرشادات.
وليس هذا النّـهج من قَـبيل المُـصادفة، بل إن غروسّـي أراد من خلال تجرِبته إماطة اللِّـثام عن المأساة التي تجُـرّها الحروب والتي تدفَـع ثمنها الشعوب، وأن يُجابه الزّائر بالمَـشاهد الحيّـة، التي من شأنها استخراج ما في أعماقِـه البشرية من غَـلَـيان وحنق وغَـضب وتشاؤم وألَـم والموت الزّعاف.
آثار مرئِـية وأخرى غير منظورة
يقول جانلوكا غروسّي: "لقد احتفظت بهذه الصور في درجي لمدة 10 سنوات، ثمّ قُـمت بتجميعها وتصنيفها وعرْضها، كي يطَّـلع الناس على رَزايا الصِّـراعات والحروب". وأضاف: "لقد اعتاد الناس على مُـشاهدة صُوّر الحروب بعْـد أن تخضَـع بقصد أو بدون قصْـد إلى عمليات دبْـلجة وتدْجين، كي لا تُـنغِّـص على المشاهدين عِـشاءهم ولا تقضّ مضاجِـعهم ولكي تتناسَـب مع أخبار الساعة الثامنة مساءً التي تبثها التلفزيونات"، عِـلما بأن الصور الفظيعة وذات الوقْـع الشديد، يتمّ في الغالب حجْـبها عن جمهور الشاشات الصغيرة.
وبحسب غروسّي، فإن هذا الحِـجاب لا وجود له في هذا المعرض، وتبدو الحقيقة شاخِـصة أمام الناظرين، رغم فظاعة هذه المَشاهد وما فيها من دِماء وأشلاء وجُـروح وتشوّهات، إلا أن هنالك أيضا جروح وقروح داخلية غير مرئِـية، لا يمكن لعدسة المصوِّر نقلها، وهي في غالب الأحيان غيْـر قابلة للعلاج.
كي لا ننسى
كيف يُـمكن أن تُمحَى من الذّاكرة تلك اللقطات الفظيعة، كمشهد الجُـثة المُـتفحِّـمة من مشاهد ساحة الحرب في الضفة الغربية المحتلة أو صورة طفل عراقي تحت الإسعاف، عبَـثا يُـحاولون إبقاءه على قيد الحياة في مشهد تمّ تصويره في إحدى مستشفيات بغداد بعد يومين من دخول القوات الأمريكية إلى المدينة في عام 2003.
ويصِـف جانلوكا روسِّـي نفسه من خلال المبادرة التي قام بها قائلا: "أبدو - من جانب آخر - وكأني هاوي جمْـع أنفُس أو أرواح الآخرين، وربّـما يبعث ذلك على التساؤل عن السبب الذي يدفع بالناس كي يعهدوا لصحفي مِـثلي بزفرات الرّمق الأخير من حياتهم".
ثم يستدرك روسّي محذِّرا من الاستِـسلام للتشاؤم أو من فقدان الأمل، ويُذكّـر بأن مقصوده غير ذلك وأنه أراد تسجيل انطباعاته وتقديم شهادته، لكي لا تُمْـحى هذه الأحداث من الذّاكرة ويطويها النِّـسيان.
عمل متميِّـز
سألناه، كيف أمكَـنه الاستمرار في ساحة الحرب، حيث الدماء والأشلاء ومآسي الناس، فأجاب: "إن مهمّـة المصور الصحفي هي تصوير الأحداث ونقل الوقائع ووصف حياة الناس في مواطِـن الحروب وعلى خطوط النار، ولا شك أنني إنسان لدي أحاسيس ومشاعِـر، ولكن هذا عمَـلي"، الشأن نفسه بالنسبة للطبيب، حيث أنه يستقلّ سيارة الإسعاف ويقِـف على مسرح الأحداث ولا يسَـعُـه إلاّ أن يبقى مُـتماسكا يُـمارس مِـهنته ويؤدّي واجبه.
ولا يُخفي جانلوكا غروسّـي لحظات الهَـلع التي قد تنتَـاب المرء في مثل هذه الأحوال وأمام تلك الأهوال، ولذلك يُـلفت إلى تدفّـق إفرازات هرمون الأدرينالين، الذي غالبا ما ترتفع نِـسبته في الجسم عند الشعور بالخطر.
ثم يحرص الصحفي المُـصوِّر على تسليط الضوء على الجانب الإنساني والحياتي للمراسلين المرابطين على خطوط النار، فتراه قد خصّـص جزءً صغيرا من معرِضه لتَذاكِـر الطيران وفواتير المصاريف والفنادق الخاصة به، فضلا عن عرضِـه للمُـعدّات والأدوات التي تَسلَّـح بها في مهمّـته، وعلى رأسها كاميرا التصوير، كما خصّـص الشاشة الأخيرة من شاشات العرض ليبُـث من خلالها أفكاره ورُؤاه بشأن الحرب.
وأخيرا، لابُـد من الإشارة إلى أن هذا المعرض يشكِّـل شهادة دامِـغة على مآسي الحروب ويوصل رسالة قوية، مفادُها الحضّ على التّـدبر والمحاسبة وأخذ العِـبر والدّروس، ممّـا حدا بفلافيا ماروني، رئيسة قسم السياحة والثقافة في مدينة بيلَِّـينزونا، إلى اعتبار "المعرض اختيارا شُـجاعا وحدثا مهِـما جاء على رأس فعاليات موسم 2010".
لا يُـمكن لزائرِ المعرض، الذي تمّ افتتاحه مؤخرا تحت عنوان "الحرب – صُـور 10 سنوات"، إلا أن تتحرّك مشاعِـره ويُـعلن التمرّد على الصّـمت واللاّمبالاة، ذلك أن صُـوَر المعرض، هي بحدِّ ذاتها ناطِـقة ولا تحتاج إلى تعليق وشارحة لا تحتاج إلى توضيح، كما أن صاحب المعرض جانلوكا غروسّي، الذي قام بنفسه بتصوير أفلامه من داخل جَـبهات النار، لا يتحدّث عن معرِض عادِي، وإنما عن "مسيرة ومُـغامرة وتحَـدٍّ".
والحقيقة، أن المعرض مُـثير للاهتمام ويشكِّـل تحديّـاً أو حدثاً فريداً من نوعِـه، ذلك أنه يعرض جُـملة من الأفلام التي وثّـقها غروسّي خلال فترة عمله لعشر سنوات كصحفي على خطوط النار، بل على أسخَـن هذه الخُـطوط على وجْـه الأرض قاطبة. فمن العراق إلى لبنان إلى فلسطين إلى إسرائيل إلى أفغانستان إلى جورجيا، ثم إلى قطاع غزّة. وقد اختار غروسي لهذه الأفلام أن تُعرَض على شاشات مُـختلفة وأن تكون مُـكوّنة من مقاطِـع متداخلة، دونما إشارة إلى مواقِـع الأحداث ولا إلى تواريخها، ودون أن تتضمّـن أية تعليقات أو إرشادات.
وليس هذا النّـهج من قَـبيل المُـصادفة، بل إن غروسّـي أراد من خلال تجرِبته إماطة اللِّـثام عن المأساة التي تجُـرّها الحروب والتي تدفَـع ثمنها الشعوب، وأن يُجابه الزّائر بالمَـشاهد الحيّـة، التي من شأنها استخراج ما في أعماقِـه البشرية من غَـلَـيان وحنق وغَـضب وتشاؤم وألَـم والموت الزّعاف.
آثار مرئِـية وأخرى غير منظورة
يقول جانلوكا غروسّي: "لقد احتفظت بهذه الصور في درجي لمدة 10 سنوات، ثمّ قُـمت بتجميعها وتصنيفها وعرْضها، كي يطَّـلع الناس على رَزايا الصِّـراعات والحروب". وأضاف: "لقد اعتاد الناس على مُـشاهدة صُوّر الحروب بعْـد أن تخضَـع بقصد أو بدون قصْـد إلى عمليات دبْـلجة وتدْجين، كي لا تُـنغِّـص على المشاهدين عِـشاءهم ولا تقضّ مضاجِـعهم ولكي تتناسَـب مع أخبار الساعة الثامنة مساءً التي تبثها التلفزيونات"، عِـلما بأن الصور الفظيعة وذات الوقْـع الشديد، يتمّ في الغالب حجْـبها عن جمهور الشاشات الصغيرة.
وبحسب غروسّي، فإن هذا الحِـجاب لا وجود له في هذا المعرض، وتبدو الحقيقة شاخِـصة أمام الناظرين، رغم فظاعة هذه المَشاهد وما فيها من دِماء وأشلاء وجُـروح وتشوّهات، إلا أن هنالك أيضا جروح وقروح داخلية غير مرئِـية، لا يمكن لعدسة المصوِّر نقلها، وهي في غالب الأحيان غيْـر قابلة للعلاج.
كي لا ننسى
كيف يُـمكن أن تُمحَى من الذّاكرة تلك اللقطات الفظيعة، كمشهد الجُـثة المُـتفحِّـمة من مشاهد ساحة الحرب في الضفة الغربية المحتلة أو صورة طفل عراقي تحت الإسعاف، عبَـثا يُـحاولون إبقاءه على قيد الحياة في مشهد تمّ تصويره في إحدى مستشفيات بغداد بعد يومين من دخول القوات الأمريكية إلى المدينة في عام 2003.
ويصِـف جانلوكا روسِّـي نفسه من خلال المبادرة التي قام بها قائلا: "أبدو - من جانب آخر - وكأني هاوي جمْـع أنفُس أو أرواح الآخرين، وربّـما يبعث ذلك على التساؤل عن السبب الذي يدفع بالناس كي يعهدوا لصحفي مِـثلي بزفرات الرّمق الأخير من حياتهم".
ثم يستدرك روسّي محذِّرا من الاستِـسلام للتشاؤم أو من فقدان الأمل، ويُذكّـر بأن مقصوده غير ذلك وأنه أراد تسجيل انطباعاته وتقديم شهادته، لكي لا تُمْـحى هذه الأحداث من الذّاكرة ويطويها النِّـسيان.
عمل متميِّـز
سألناه، كيف أمكَـنه الاستمرار في ساحة الحرب، حيث الدماء والأشلاء ومآسي الناس، فأجاب: "إن مهمّـة المصور الصحفي هي تصوير الأحداث ونقل الوقائع ووصف حياة الناس في مواطِـن الحروب وعلى خطوط النار، ولا شك أنني إنسان لدي أحاسيس ومشاعِـر، ولكن هذا عمَـلي"، الشأن نفسه بالنسبة للطبيب، حيث أنه يستقلّ سيارة الإسعاف ويقِـف على مسرح الأحداث ولا يسَـعُـه إلاّ أن يبقى مُـتماسكا يُـمارس مِـهنته ويؤدّي واجبه.
ولا يُخفي جانلوكا غروسّـي لحظات الهَـلع التي قد تنتَـاب المرء في مثل هذه الأحوال وأمام تلك الأهوال، ولذلك يُـلفت إلى تدفّـق إفرازات هرمون الأدرينالين، الذي غالبا ما ترتفع نِـسبته في الجسم عند الشعور بالخطر.
ثم يحرص الصحفي المُـصوِّر على تسليط الضوء على الجانب الإنساني والحياتي للمراسلين المرابطين على خطوط النار، فتراه قد خصّـص جزءً صغيرا من معرِضه لتَذاكِـر الطيران وفواتير المصاريف والفنادق الخاصة به، فضلا عن عرضِـه للمُـعدّات والأدوات التي تَسلَّـح بها في مهمّـته، وعلى رأسها كاميرا التصوير، كما خصّـص الشاشة الأخيرة من شاشات العرض ليبُـث من خلالها أفكاره ورُؤاه بشأن الحرب.
وأخيرا، لابُـد من الإشارة إلى أن هذا المعرض يشكِّـل شهادة دامِـغة على مآسي الحروب ويوصل رسالة قوية، مفادُها الحضّ على التّـدبر والمحاسبة وأخذ العِـبر والدّروس، ممّـا حدا بفلافيا ماروني، رئيسة قسم السياحة والثقافة في مدينة بيلَِّـينزونا، إلى اعتبار "المعرض اختيارا شُـجاعا وحدثا مهِـما جاء على رأس فعاليات موسم 2010".
الإثنين 28 فبراير 2011, 17:04 من طرف FAROUK MILANO
» ميسي لم يفكر بعد بمواجهة ريال مدريد
الإثنين 28 فبراير 2011, 17:00 من طرف FAROUK MILANO
» “الخضر“ في مواجهة أبطال العالم بويول، إينييستا، شافي وبيكي بـ “كامب نو“
الأحد 21 نوفمبر 2010, 01:20 من طرف zizo11990
» إبراهيموفيتش يقود ميلان للفوز على فيورنتينا
الأحد 21 نوفمبر 2010, 01:13 من طرف zizo11990
» ميسي يقود مهرجان برشلونة في ألميريا
الأحد 21 نوفمبر 2010, 01:10 من طرف zizo11990
» الرقم الاكثر تميزا في القران الكريم
الأحد 21 نوفمبر 2010, 00:57 من طرف zizo11990
» اكتشاف قطرة للعيون من سورة يوسف عليه السلام
الأحد 21 نوفمبر 2010, 00:53 من طرف zizo11990
» سنة على ملحمة أم درمان
الخميس 18 نوفمبر 2010, 03:00 من طرف zizo11990
» اقصااااااانا
الخميس 18 نوفمبر 2010, 02:02 من طرف zizo11990
» تعادل باهت بين ألمانيا والسويد
الخميس 18 نوفمبر 2010, 01:57 من طرف zizo11990